ثالثا - ارتزاق صنائع الوزراء
كان لبعض الوزراء صنائع يتكسبون بسلطانهم بأسباب كثيرة.
من ذلك ما روي عن عبيد الله بن وهب وزير الخليفة المعتمد على الله فقد فعل هذا الوزير ما أسخط عليه الموفق بالله, أخو الخليفة والمتغلب عليه. فطلبه فهرب واستتر عند تاجر من تجار بغداد يدعى عبد الله بن أبي عون, ثم صالحه الموفق وعفا عنه. ولما تولى المعتضد بالله بن الموفق الخلافة استوزره, فأراد أن يكافئ ابن أبي عون وحصل له على مائة ألف دينار بالطريقة الآتية: باعه مائة ألف (كر) من غلات الخلافة, وانتقص من قيمة كل كر دينارا.
كذلك سمح له أن يتوسط في قضاء حاجات الناس لقاء مبلغ يقبضه منهم, وكان الوزير يسأله عما يأخذه من كل قضية, فإذا وجد ما قبضه قليلا قال له: هذه القضية تساوي أكثر مما قبضت فارجع فاسترد, فإذا قال له: إنني أستحي, قال له الوزير: عرفهم أني لا أقضي لك حاجتهم إلا بهذا القدر, وأني رسمت لك هذا, فيرجع فيستزيد فيزيدون له وقد جرى ابنه القاسم بن عبيد الله على هذه الخطة عندما خلف أباه في الوزارة,
فقد روي أن إسحاق الزجاج الإمام في اللغة والنحو, كان مؤدبا للقاسم وهو صغير, فقال له يوما: إن بلغك الله مبلغ أبيك في الوزارة, ما تصنع بي؟ فقال: ما أحببت, فقال له: تعطيني عشرين ألف دينار, فقال: نعم. وولي القاسم الوزارة في عهد الخليفة المعتضد بالله والخليفة المكتفي بالله, وجاء الزجاج يستنجز الوعد, فأمره أن يجلس للناس ويأخذ رقاعهم للحوائج الكبار ويتقاضى أجرا عليها, فجمع بذلك أضعاف ما كان يتمناه بعلم الوزير
رابعا - ابتداع الألقاب والكنى
كان خلفاء بني أمية يتكنون, على عادة العرب, بأسماء أكبر أبنائهم ويلقبون بأمير المؤمنين, كما كان يلقب الخلفاء الراشدون من عهد عمر بن الخطاب .
ولما انتقلت الخلافة إلى بني العباس أضافوا إلى هذا اللقب ألقابا تدل على صفة يتميز بها الخليفة. فقد عرف عبد الله أبو العباس أول خليفة عباسي, بلقب (السفاح) وتلقب أخوه عبد الله أبو جعفر بلقب (المنصور) وتلقب ابنه محمد من بعده بلقب (المهدي) وتلقب من بعده ولداه, موسى وهارون بلقب موسى (الهادي) وهارون (الرشيد). ولقب الرشيد أولاده الثلاثة: محمد وعبد الله والقاسم بلقب محمد (الأمين) وعبد الله (المأمون) والقاسم (المؤتمن).
ولما تولى الخلافة محمد بن الرشيد خلفا لأخيه المأمون ابتدع لقبا, أضافه إلى اسم الله تعالى فتلقب بمحمد (المعتصم بالله), وجرى الخلفاء من بعده على تقليده, وأصبح الخليفة يعرف بلقبه.
ولما استبد القادة الأتراك بالسلطة منح الخليفة إلى من بيده السلطة منهم لقب (أمير الأمراء) وجاء من بعدهم المتغلبون من بني بوية فأضفى عليهم الخليفة العباسي ألقابا فيها معنى الاعتراف بسلطانهم, فلقب أحمد بن بوية بلقب (معز الدولة) ولقب أخاه عليا بلقب (عماد الدولة) ولقب أخاه الحسن بلقب (ركن الدولة), وتولى تلقيب أبنائهم من بعدهم بمثل تلك الألقاب, كعضد الدولة وجلال الدولة وبهاء الدولة وفخر الدولة.
ولم يكتف بنو بوية بهذه الألقاب, بل أضافوا إليها لقب (السلطان), ومنهم من تلقب بلقب (شاهنشاه) أي ملك الملوك. ثم سرت هذه الألقاب بعد ذلك إلى أمراء الأقاليم المستقلين, فكان من الحمدانيين في الموصل وحلب: ناصر الدولة وسيف الدولة وشبل الدولة, وتبعهم بعد ذلك أمراء بني عقيل في الجزيرة وملوك الإخشيد في مصر, وسلاطين غزنة وكان منهم: ناصر الدولة سبكتكين ويمين الدولة محمود وشهاب الدولة وجمال الدولة وكمال الدولة, وإلى هذه الألقاب أضيفت أيضا كنى كأبي الفضائل وأبي المعالي وما شابه ذلك.
كذلك منح الوزراء وكبار الكتاب المترسلين في ديوان الخلافة ألقابا ترمز إلى مكانتهم وتدل على رتبهم. فقد منح المأمون وزيره الفضل بن سهل لقب (ذو الرئاستين) ومنح أخاه الحسن لقب (ذو الكفاءتين) ومنح طاهر بن الحسين لقب (ذو اليمينين). وجرى الخلفاء من بعده على هذا النحو. فقد لقب الخليفة المعتضد بالله وزيره أبا القاسم علي بن المسلمة بلقب (رئيس الرؤساء) ومنح وزيره محمد بن جهير لقب (فخر الدولة). ولقب الخليفة المستظهر وزيره علي بن محمد بن جهير بلقب (زعيم الرؤساء).
وقد أصبحت الكنى والألقاب في العصر العباسي الثاني موردا للخلفاء, وخاصة بعد أن رفعت عن أيديهم أموال بيت المال في عهد معز الدولة البويهي فكان الخليفة يبيع الألقاب لمن يطلبها, وفي ذلك يقول أبو بكر الخوارزمي:
أما رأيت بني العباس قد فتحوا
من الكنى ومـن الألقاب أبوابا
ولقبوا رجـلا لو عاش أولهم
ما كان يرضى به للقصر بوابا
قـل الدارهم في كفي خليفتنا
هذا فأنفـق في الأقـوام ألقابا
وقد نهج الخلفاء الفاطميون نهج الخلفاء العباسيين في الألقاب, فكان منها المهدي بالله والعزيز بالله والمعتز بالله والحاكم بأمر الله والمستنصر بالله, وفي الأندلس تسمى عبد الرحمن الثالث بن محمد بالخليفة واتخذ لنفسه لقب الناصر لدين الله ونهج أخلافه نهجه, فكان منهم المؤيد بالله والمستعين بالله والمستظهر بالله والمعتد بالله.
واتخذ ملوك الطوائف في الأندلس الألقاب فكان منهم المعتضد بالله ملك أشبيلية وابنه المعتمد على الله وكانت هذه الألقاب على ضخامتها لا تمثل لمن اتخذها لنفسه شيئا من معانيها, حتى تندر بها الشاعر ابن عمار فقال:
مما يزهـدني فـي أرض أندلس
كان لبعض الوزراء صنائع يتكسبون بسلطانهم بأسباب كثيرة.
من ذلك ما روي عن عبيد الله بن وهب وزير الخليفة المعتمد على الله فقد فعل هذا الوزير ما أسخط عليه الموفق بالله, أخو الخليفة والمتغلب عليه. فطلبه فهرب واستتر عند تاجر من تجار بغداد يدعى عبد الله بن أبي عون, ثم صالحه الموفق وعفا عنه. ولما تولى المعتضد بالله بن الموفق الخلافة استوزره, فأراد أن يكافئ ابن أبي عون وحصل له على مائة ألف دينار بالطريقة الآتية: باعه مائة ألف (كر) من غلات الخلافة, وانتقص من قيمة كل كر دينارا.
كذلك سمح له أن يتوسط في قضاء حاجات الناس لقاء مبلغ يقبضه منهم, وكان الوزير يسأله عما يأخذه من كل قضية, فإذا وجد ما قبضه قليلا قال له: هذه القضية تساوي أكثر مما قبضت فارجع فاسترد, فإذا قال له: إنني أستحي, قال له الوزير: عرفهم أني لا أقضي لك حاجتهم إلا بهذا القدر, وأني رسمت لك هذا, فيرجع فيستزيد فيزيدون له وقد جرى ابنه القاسم بن عبيد الله على هذه الخطة عندما خلف أباه في الوزارة,
فقد روي أن إسحاق الزجاج الإمام في اللغة والنحو, كان مؤدبا للقاسم وهو صغير, فقال له يوما: إن بلغك الله مبلغ أبيك في الوزارة, ما تصنع بي؟ فقال: ما أحببت, فقال له: تعطيني عشرين ألف دينار, فقال: نعم. وولي القاسم الوزارة في عهد الخليفة المعتضد بالله والخليفة المكتفي بالله, وجاء الزجاج يستنجز الوعد, فأمره أن يجلس للناس ويأخذ رقاعهم للحوائج الكبار ويتقاضى أجرا عليها, فجمع بذلك أضعاف ما كان يتمناه بعلم الوزير
رابعا - ابتداع الألقاب والكنى
كان خلفاء بني أمية يتكنون, على عادة العرب, بأسماء أكبر أبنائهم ويلقبون بأمير المؤمنين, كما كان يلقب الخلفاء الراشدون من عهد عمر بن الخطاب .
ولما انتقلت الخلافة إلى بني العباس أضافوا إلى هذا اللقب ألقابا تدل على صفة يتميز بها الخليفة. فقد عرف عبد الله أبو العباس أول خليفة عباسي, بلقب (السفاح) وتلقب أخوه عبد الله أبو جعفر بلقب (المنصور) وتلقب ابنه محمد من بعده بلقب (المهدي) وتلقب من بعده ولداه, موسى وهارون بلقب موسى (الهادي) وهارون (الرشيد). ولقب الرشيد أولاده الثلاثة: محمد وعبد الله والقاسم بلقب محمد (الأمين) وعبد الله (المأمون) والقاسم (المؤتمن).
ولما تولى الخلافة محمد بن الرشيد خلفا لأخيه المأمون ابتدع لقبا, أضافه إلى اسم الله تعالى فتلقب بمحمد (المعتصم بالله), وجرى الخلفاء من بعده على تقليده, وأصبح الخليفة يعرف بلقبه.
ولما استبد القادة الأتراك بالسلطة منح الخليفة إلى من بيده السلطة منهم لقب (أمير الأمراء) وجاء من بعدهم المتغلبون من بني بوية فأضفى عليهم الخليفة العباسي ألقابا فيها معنى الاعتراف بسلطانهم, فلقب أحمد بن بوية بلقب (معز الدولة) ولقب أخاه عليا بلقب (عماد الدولة) ولقب أخاه الحسن بلقب (ركن الدولة), وتولى تلقيب أبنائهم من بعدهم بمثل تلك الألقاب, كعضد الدولة وجلال الدولة وبهاء الدولة وفخر الدولة.
ولم يكتف بنو بوية بهذه الألقاب, بل أضافوا إليها لقب (السلطان), ومنهم من تلقب بلقب (شاهنشاه) أي ملك الملوك. ثم سرت هذه الألقاب بعد ذلك إلى أمراء الأقاليم المستقلين, فكان من الحمدانيين في الموصل وحلب: ناصر الدولة وسيف الدولة وشبل الدولة, وتبعهم بعد ذلك أمراء بني عقيل في الجزيرة وملوك الإخشيد في مصر, وسلاطين غزنة وكان منهم: ناصر الدولة سبكتكين ويمين الدولة محمود وشهاب الدولة وجمال الدولة وكمال الدولة, وإلى هذه الألقاب أضيفت أيضا كنى كأبي الفضائل وأبي المعالي وما شابه ذلك.
كذلك منح الوزراء وكبار الكتاب المترسلين في ديوان الخلافة ألقابا ترمز إلى مكانتهم وتدل على رتبهم. فقد منح المأمون وزيره الفضل بن سهل لقب (ذو الرئاستين) ومنح أخاه الحسن لقب (ذو الكفاءتين) ومنح طاهر بن الحسين لقب (ذو اليمينين). وجرى الخلفاء من بعده على هذا النحو. فقد لقب الخليفة المعتضد بالله وزيره أبا القاسم علي بن المسلمة بلقب (رئيس الرؤساء) ومنح وزيره محمد بن جهير لقب (فخر الدولة). ولقب الخليفة المستظهر وزيره علي بن محمد بن جهير بلقب (زعيم الرؤساء).
وقد أصبحت الكنى والألقاب في العصر العباسي الثاني موردا للخلفاء, وخاصة بعد أن رفعت عن أيديهم أموال بيت المال في عهد معز الدولة البويهي فكان الخليفة يبيع الألقاب لمن يطلبها, وفي ذلك يقول أبو بكر الخوارزمي:
أما رأيت بني العباس قد فتحوا
من الكنى ومـن الألقاب أبوابا
ولقبوا رجـلا لو عاش أولهم
ما كان يرضى به للقصر بوابا
قـل الدارهم في كفي خليفتنا
هذا فأنفـق في الأقـوام ألقابا
وقد نهج الخلفاء الفاطميون نهج الخلفاء العباسيين في الألقاب, فكان منها المهدي بالله والعزيز بالله والمعتز بالله والحاكم بأمر الله والمستنصر بالله, وفي الأندلس تسمى عبد الرحمن الثالث بن محمد بالخليفة واتخذ لنفسه لقب الناصر لدين الله ونهج أخلافه نهجه, فكان منهم المؤيد بالله والمستعين بالله والمستظهر بالله والمعتد بالله.
واتخذ ملوك الطوائف في الأندلس الألقاب فكان منهم المعتضد بالله ملك أشبيلية وابنه المعتمد على الله وكانت هذه الألقاب على ضخامتها لا تمثل لمن اتخذها لنفسه شيئا من معانيها, حتى تندر بها الشاعر ابن عمار فقال:
مما يزهـدني فـي أرض أندلس