ثانيا - الزواج من أجنبيات
كانت زوجات وأمهات الخلفاء في عهد الخلفاء الراشدين من شرائف النساء ومن أعراق عربية كذلك كان خلفاء العهد الأموي. فالخليفة لا يولى إذا كانت أمه أعجمية. من ذلك أن مسلمة بن عبد الملك بن مروان كان أولى بالخلافة من سائر إخوته, لما اشتهر به من شجاعة وبطولة, ولكنه لم ينل الخلافة لأنه ابن جارية تسرى بها أبوه .
ولم يشذ عن القاعدة سوى اثنين من خلفاء بني أمية هما: يزيد بن الوليد بن عبد الملك ومروان بن محمد بن الحكم, آخر خلفاء بني أمية, فأم يزيد فارسية تدعى (شاه فرند) وهي بنت فيروز بن يزدجرد بن كسرى, آخر ملوك الفرس . وأم مروان بربرية من قبيلة (نفزة) بالمغرب الأقصى .
أما زوجات وأمهات خلفاء بني العباس فجميعهن من الجواري المحررات, من فارسية ورومية وتركية وأرمنية وبربرية, باستثناء ثلاثة منهم وهم: أبو العباس السفاح والمهدي والأمين. كذلك كانت زوجات وأمهات أمراء وخلفاء بني أمية في الأندلس, فقد كن من نساء النصارى المسبيات أو المهداة إلى الأمراء والخلفاء وفيهن من بنات ملوك وأمراء النصارى الإسبان .
ومن أشهر النساء في دولة بني العباس, الخيزران زوجة المهدي وأم ولديه موسى (الهادي) وهارون (الرشيد), وقبيحة زوجة المتوكل وأم ولده المعتز, وشغب زوجة المعتضد وأم ولده المقتدر. ومن أشهر النساء في دولة الأندلس طروب زوجة الأمير الأموي عبد الرحمن الثاني وأم ابنه عبد الله. وصبح زوجة الخليفة الأموي الحكم المستنصر الأندلسي وأم ولده هشام (المؤيد).
وقد جرى على هذه السنة الوزراء والحجاب وملوك الطوائف, فقد تزوج المنصور بن أبي عامر ابنة (سانشو الثاني) ملك (نافار) ثم تزوج ابنة (برمود الثاني) ملك (ليون), وكان زواجه منهما لغرض سياسي أريد منه التقوي بمن صاهروه على أعدائه من ملوك آخرين أو على أمراء من المسلمين كانوا قد خرجوا عليه. وتزوج المعتمد بن عباد أمير إشبيلية جارية من جواري نخاس يدعى (ابن رميك), فعرفت بالرميكية . كذلك كان شأن الخلفاء الفاطميين.
وقد كان لهؤلاء الجواري الأمهات دورا في سياسة الدولة أدى إلى صراع من أجل الخلافة وانشقاق بين الأخوة وأبناء العمومة, وكان ذلك من أسباب ضعف الدولة وانهيارها.
من ذلك ما كان للخيزران, زوجة المهدي, من شأن في عهد زوجها, فكان الوزراء والكبراء يقفون على بابها لحاجاتهم. ولما تولى ابنها موسى (الهادي) الخلافة أراد الحط من شأنها ومنعها من التدخل في شئون الدولة فعملت على قتله.
وهذه (قبيحة) زوجة المتوكل أغرت زوجها بتقديم ابنها (المعتز) على أخيه المنتصر في ولاية العهد, فكانت سبب قتل زوجها المتوكل.
وهذه (شغب) فقد كان لها الكلمة العليا في قصر الخلافة, ويكفي للدلالة على ذلك أن قهرمانتها تولت النظر في المظالم .
وهذه (طروب) فقد دبرت مؤامرة لقتل زوجها عبد الرحمن بن الحكم لتدفع عن ابنها (عبد الله) منافسة أخيه (محمد) في خلافة أبيه, وقد اكتشف زوجها عبد الرحمن المؤامرة وتغابى عن فعل زوجته وظل محتفظا بإيثاره لها ودلها عليه لفرط حبه لها, وكان له معها خبرا يدل على شدة هيامه بها تراه في ترجمتها.
وهذه صبح زوجة الحكم المستنصر فقد فرضت ابنها (هشاما) لولاية العهد ولما يبلغ الحادية عشرة من عمره.
وهذه الرميكية تفتن زوجها بدلها وتصبيه بجمالها فينطلق في التغزل بها بشعر عذب رقيق, وتصرفه عن أمور الدولة إلى لهو أغرى به ألفونسو السادس الملك الإسباني, فهم بالانقضاض عليه, لولا أن أنجده يوسف بن تاشفين زعيم المرابطين, فدفع عنه الإسبان ثم استولى على ملكه ونفاه إلى المغرب الأقصى مع زوجته وأولاده ولا ريب أن الأمهات الأجنبيات قد خلقن أبناءهن بأخلاقهن ورسخت فيهم تقاليدهن التي نشأن عليها ورفعن إلى سدة الحكم أبناء فيهم من لم يبلغ الحلم, وفيهم من عاش في نعيم القصور فغلب عليه اللهو والمجون, وتولى الحكم أعوان, من وزراء وقادة, فانقادوا لأطماعهم وأهوائهم وكانوا من أسباب انهيار الدولة.
ثالثا - تجنيد الموالي
لما تولى المعتصم بن الرشيد الخلافة قضى على الطابع العربي في الجيش, فسرح العرب ومحا اسمهم من ديوان الجند وأحل محلهم جندا من الأتراك, كان يأتي بهم من تركستان أطفالا, ويتولى تربيتهم وتدريبهم على الحرب والقتال, وقد تربى على حبهم في أحضان أمه التركية, وتمكن بهم من القضاء على ثورة بابك الخرمي وبهم انتصر على الروم في وقعة (عمورية), وعظم شأنهم في عهد الخليفة الواثق ومن بعده المتوكل, وارتقى فريق منهم إلى رتبة القادة.
ونرى الجاحظ يتملق الوزير التركي الفتح بن خاقان في رسالة رفعها إليه, يمتدح فيها مناقب الترك, ويبين الفرق بين ما يمتاز به التركي عن العربي في البسالة ومقارعة الأبطال, ويقول على لسان التركي: (ولنا في أنفسنا ما لا ينكر من الصبر تحت ظلال السيوف القصار والرماح الطوال, ولنا معانقة الأبطال عند تحطم القناة وانقطاع الصفائح, ونحن أهل الثبات عند الجولة, والمعرفة عند الحيرة وأصحاب المشهرات, وزينة العساكر, وحلي الجيوش, ومن يمشي في الرمح بين الصفين مختالا. ونحن أصحاب الفتك والإقدام, ولنا بعد التسلق ونقب المدن التقحم على ظبات السيوف وأطراف الرماح, والصبر على الجراح وعلى جر السلاح, إذا طار قلب الأعرابي...) .
وإذا كان المعتصم قد استطاع أن يقمع بهم ثورة بابك, وأن يهزم الروم في وقعة عمورية فإنه لم يزد بهم شبرا واحدا على الحدود التي وقف عندها الفتح العربي في عهد بني أمية, وقد تم بسواعد عربية. ذلك أن الأتراك كانوا مقاتلين ولم يكونوا مجاهدين يعملون لنشر رسالة ودعوة إيمان.
ومن ذلك الوقت أضحى الإسلام في حالة دفاع عن الحدود التي وقفت عندها فتوح الخلفاء الراشدين ومن بعدهم بنو أمية. وقد تحول الجند الموالي إلى جنود مرتزقة, يعتصبون إذا ما تأخرت أرزاقهم ويهددون بالعصيان وقد رتبوا لأنفسهم حقوقا عند نصب الخليفة يعرف برسم البيعة,.
وهكذا حل الجنود المرتزقة من ديلم وفرس محل العرب, وفقدت ساحات الجهاد الساعد القوي وقبضة السيف الصارم, فوقفت الفتوح عند الحدود التي عادت فيها السيوف العربية إلى أغمادها.
كانت زوجات وأمهات الخلفاء في عهد الخلفاء الراشدين من شرائف النساء ومن أعراق عربية كذلك كان خلفاء العهد الأموي. فالخليفة لا يولى إذا كانت أمه أعجمية. من ذلك أن مسلمة بن عبد الملك بن مروان كان أولى بالخلافة من سائر إخوته, لما اشتهر به من شجاعة وبطولة, ولكنه لم ينل الخلافة لأنه ابن جارية تسرى بها أبوه .
ولم يشذ عن القاعدة سوى اثنين من خلفاء بني أمية هما: يزيد بن الوليد بن عبد الملك ومروان بن محمد بن الحكم, آخر خلفاء بني أمية, فأم يزيد فارسية تدعى (شاه فرند) وهي بنت فيروز بن يزدجرد بن كسرى, آخر ملوك الفرس . وأم مروان بربرية من قبيلة (نفزة) بالمغرب الأقصى .
أما زوجات وأمهات خلفاء بني العباس فجميعهن من الجواري المحررات, من فارسية ورومية وتركية وأرمنية وبربرية, باستثناء ثلاثة منهم وهم: أبو العباس السفاح والمهدي والأمين. كذلك كانت زوجات وأمهات أمراء وخلفاء بني أمية في الأندلس, فقد كن من نساء النصارى المسبيات أو المهداة إلى الأمراء والخلفاء وفيهن من بنات ملوك وأمراء النصارى الإسبان .
ومن أشهر النساء في دولة بني العباس, الخيزران زوجة المهدي وأم ولديه موسى (الهادي) وهارون (الرشيد), وقبيحة زوجة المتوكل وأم ولده المعتز, وشغب زوجة المعتضد وأم ولده المقتدر. ومن أشهر النساء في دولة الأندلس طروب زوجة الأمير الأموي عبد الرحمن الثاني وأم ابنه عبد الله. وصبح زوجة الخليفة الأموي الحكم المستنصر الأندلسي وأم ولده هشام (المؤيد).
وقد جرى على هذه السنة الوزراء والحجاب وملوك الطوائف, فقد تزوج المنصور بن أبي عامر ابنة (سانشو الثاني) ملك (نافار) ثم تزوج ابنة (برمود الثاني) ملك (ليون), وكان زواجه منهما لغرض سياسي أريد منه التقوي بمن صاهروه على أعدائه من ملوك آخرين أو على أمراء من المسلمين كانوا قد خرجوا عليه. وتزوج المعتمد بن عباد أمير إشبيلية جارية من جواري نخاس يدعى (ابن رميك), فعرفت بالرميكية . كذلك كان شأن الخلفاء الفاطميين.
وقد كان لهؤلاء الجواري الأمهات دورا في سياسة الدولة أدى إلى صراع من أجل الخلافة وانشقاق بين الأخوة وأبناء العمومة, وكان ذلك من أسباب ضعف الدولة وانهيارها.
من ذلك ما كان للخيزران, زوجة المهدي, من شأن في عهد زوجها, فكان الوزراء والكبراء يقفون على بابها لحاجاتهم. ولما تولى ابنها موسى (الهادي) الخلافة أراد الحط من شأنها ومنعها من التدخل في شئون الدولة فعملت على قتله.
وهذه (قبيحة) زوجة المتوكل أغرت زوجها بتقديم ابنها (المعتز) على أخيه المنتصر في ولاية العهد, فكانت سبب قتل زوجها المتوكل.
وهذه (شغب) فقد كان لها الكلمة العليا في قصر الخلافة, ويكفي للدلالة على ذلك أن قهرمانتها تولت النظر في المظالم .
وهذه (طروب) فقد دبرت مؤامرة لقتل زوجها عبد الرحمن بن الحكم لتدفع عن ابنها (عبد الله) منافسة أخيه (محمد) في خلافة أبيه, وقد اكتشف زوجها عبد الرحمن المؤامرة وتغابى عن فعل زوجته وظل محتفظا بإيثاره لها ودلها عليه لفرط حبه لها, وكان له معها خبرا يدل على شدة هيامه بها تراه في ترجمتها.
وهذه صبح زوجة الحكم المستنصر فقد فرضت ابنها (هشاما) لولاية العهد ولما يبلغ الحادية عشرة من عمره.
وهذه الرميكية تفتن زوجها بدلها وتصبيه بجمالها فينطلق في التغزل بها بشعر عذب رقيق, وتصرفه عن أمور الدولة إلى لهو أغرى به ألفونسو السادس الملك الإسباني, فهم بالانقضاض عليه, لولا أن أنجده يوسف بن تاشفين زعيم المرابطين, فدفع عنه الإسبان ثم استولى على ملكه ونفاه إلى المغرب الأقصى مع زوجته وأولاده ولا ريب أن الأمهات الأجنبيات قد خلقن أبناءهن بأخلاقهن ورسخت فيهم تقاليدهن التي نشأن عليها ورفعن إلى سدة الحكم أبناء فيهم من لم يبلغ الحلم, وفيهم من عاش في نعيم القصور فغلب عليه اللهو والمجون, وتولى الحكم أعوان, من وزراء وقادة, فانقادوا لأطماعهم وأهوائهم وكانوا من أسباب انهيار الدولة.
ثالثا - تجنيد الموالي
لما تولى المعتصم بن الرشيد الخلافة قضى على الطابع العربي في الجيش, فسرح العرب ومحا اسمهم من ديوان الجند وأحل محلهم جندا من الأتراك, كان يأتي بهم من تركستان أطفالا, ويتولى تربيتهم وتدريبهم على الحرب والقتال, وقد تربى على حبهم في أحضان أمه التركية, وتمكن بهم من القضاء على ثورة بابك الخرمي وبهم انتصر على الروم في وقعة (عمورية), وعظم شأنهم في عهد الخليفة الواثق ومن بعده المتوكل, وارتقى فريق منهم إلى رتبة القادة.
ونرى الجاحظ يتملق الوزير التركي الفتح بن خاقان في رسالة رفعها إليه, يمتدح فيها مناقب الترك, ويبين الفرق بين ما يمتاز به التركي عن العربي في البسالة ومقارعة الأبطال, ويقول على لسان التركي: (ولنا في أنفسنا ما لا ينكر من الصبر تحت ظلال السيوف القصار والرماح الطوال, ولنا معانقة الأبطال عند تحطم القناة وانقطاع الصفائح, ونحن أهل الثبات عند الجولة, والمعرفة عند الحيرة وأصحاب المشهرات, وزينة العساكر, وحلي الجيوش, ومن يمشي في الرمح بين الصفين مختالا. ونحن أصحاب الفتك والإقدام, ولنا بعد التسلق ونقب المدن التقحم على ظبات السيوف وأطراف الرماح, والصبر على الجراح وعلى جر السلاح, إذا طار قلب الأعرابي...) .
وإذا كان المعتصم قد استطاع أن يقمع بهم ثورة بابك, وأن يهزم الروم في وقعة عمورية فإنه لم يزد بهم شبرا واحدا على الحدود التي وقف عندها الفتح العربي في عهد بني أمية, وقد تم بسواعد عربية. ذلك أن الأتراك كانوا مقاتلين ولم يكونوا مجاهدين يعملون لنشر رسالة ودعوة إيمان.
ومن ذلك الوقت أضحى الإسلام في حالة دفاع عن الحدود التي وقفت عندها فتوح الخلفاء الراشدين ومن بعدهم بنو أمية. وقد تحول الجند الموالي إلى جنود مرتزقة, يعتصبون إذا ما تأخرت أرزاقهم ويهددون بالعصيان وقد رتبوا لأنفسهم حقوقا عند نصب الخليفة يعرف برسم البيعة,.
وهكذا حل الجنود المرتزقة من ديلم وفرس محل العرب, وفقدت ساحات الجهاد الساعد القوي وقبضة السيف الصارم, فوقفت الفتوح عند الحدود التي عادت فيها السيوف العربية إلى أغمادها.