رفعت المعرفة من قدره من معلم صبية إلى مقام الأستاذ الرفيع وقد نبغ في خمسة عشر فنا أو علما هي القرآن الكريم,علوم الدين واللغة والنحو والنوادر والأدب, البلدان, الأخبار والتاريخ, السياسية, المسائل,التنجيم والفلسفة, الطب وعلم النفس, الرياضيات, الاجتماع (قبل ابن خلدون), الكلمة محظورة, الفلك.
إن الذي نهتم له بادئ ذي بدء هو ما كتبه في علوم القرآن ومجملها سبعة كتب هي: التفسير, نظم القرآن, قوارع القرآن, ما أغلق من غريب القرآن, في أن سورة الحمد تنوب عن جميع القرآن, تفسير الفاتحة والحروف المقطعة في أوائل السور.
ومن ناحية علوم الدين ألف الكتب الآتية: كتاب أسماء الله الحسنى وصفاته, الرد على عبدة النجوم, البحث عن التأويلات أو كمال الدين الذى قال عنه أبو بكر الفقيه: ما صنف في الإسلام كتاب أنفع للمسلمين منه, كتاب القرابين والذبائح, كتاب عصمة الأنبياء,كتاب شرائع الأديان.
وكان أبو زيد البلخي يكره العصبية ويقبحها ويتمثل دائما قوله تعالى فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون وكان آخر ما نطق به عند وفاته قول الله عز وجل أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون, ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون .
ولا بأس من التمثل بعالم قرآني آخر فهم العلم في الإسلامي الفهم الصحيح الذي استفتحنا به هذا البحث, إنه أبو الحسن الماوردي 364 ـ 450 الفقيه الشافعي المجتهد الذي كان يلقب بأقضى القضاة وكان عالما ربانيا, ومعلما سياسيا. فأما كتبه الدينية فهي:.
1ـ النكت والعيون وهو التفسير الكبير الذي ضمنه أخبار الصحابة والتابعين والمفسرين من قبله وعرض لما يرجحه منها.
2ـ مختصر علوم القرآن.
3ـ أمثال القرآن.
4ـ الحاوي وهو الشرح الكبير لمختصر المزني تلميذ الإمام الشافعي.
5ـ الإقناع وهو موجز للفقه الشافعي.
6ـ العيون في اللغة.
7ـ أعلام النبوة.
وأما كتبه في السياسة فهى الأحكام السلطانية, وقوانين الوزارة, تسهيل النظر وتعجيل الظفر وموضوعه أخلاق الملك وسياسة الملك, نصيحة الملوك, أدب الدنيا والدين, العيون في اللغة, الأمثال والحكم (17).
والعلماء الذين جمعوا بين العلم الديني وعلم الحكمة وعلوم أخرى من الكثرة في مسيرة العقيدة الإسلامية بمكان: ابن حزم وهو أبو محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي المولود في قرطبة سنة 384 المتوفى في بادية لبلة بالأندلس سنة 456 هـ عمل بالسياسة فولى الوزارة ثم زهد فيها وعشق العلم والمعرفة: العلم الديني والمعرفة المطلقة, وليس من هدفنا التعريف بشخصه تعريفا شاملا لأن ذلك يحتاج إلى مساحة عريضة, ولكنه لم يكد يترك فرعا من فروع العلوم الدينية ولا نوعا من أنواع المعرفة الدنيوية إلا كتب فيه بفهم وعمق وتأصيل وتفصيل فبينما هو يكتب في الفقه كتابه الفريد المحلي" إذ به يكتب في العشق كتابه "طوق الحمامة".
يكاد يجمع مؤرخو الأندلس ومؤلفو كتب الطبقات على أن ابن حزم خلف أربعمائة مجلد تأتي في مقدمتها مؤلفاته في العلوم الإسلامية وفي مقدمة هذا النوع كتابه المحلي في الفقه الذي أجمع العلماء على الإشادة به محتوى ومنهجا ومنهم شيخ الإسلام سلطان العلماء العز بن عبد السلام.
ومن مؤلفاته كتاب الفصل في الملل والنحل, والجامع في صحيح الحديث وكتاب ما انفرد به مالك أو أبو حنيفة أو الشافعي, وكتاب اختلاف الفقهاء الخمسة مالك وأبى حنفية والشافعي وأحمد وداود, وكتاب الإيصال الحافظ لجمل شرائع الإسلام, وكتاب التصفح في الفقه, وكتاب الإملاء في شرح الموطأ, وكتاب الإملاء في قواعد الفقه وكتاب الترشيد في الرد على كتاب الفريد لابن الرواندي في اعتراضه على النبوات وغير ذلك كثير من الكتب الدينية.
وله في الطب رسالة في الطب النبوي, وشرح فصول بقراط, وكتاب شرح كلام جالينوس في الأمراض الحادة, وكتاب في الأدوية المفردة, ومقالة في المحاكمة بين التمر والزبيب, ومقالة النحل 19.
وهكذا جمع بن حزم تأليفا وكتابة وجدالا بين العلم الديني والعلم التطبيقي والفلسفي.
وما دمنا نسبح في الأفق الأندلسي بحديثنا عن العلامة ابن حزم فإن الفطنة تدعونا إلى الإلتقاء بأبي الوليد بن رشد الحفيد 520 ـ 595 الذي عرف بدراساته عن أرسطو أكثر مما عرف بدراساته الإسلامية الأصيلة,ومن هنا حاول بعض العلمانيين, بل بعض الملحدين ضمه إلى صفوفهم واحتسابه واحدا منهم, بينما تعلن الحقيقة أن ابن رشد واحد من فقهاء المسلمين وله الكتاب الفريد "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" في الفقه مثلما أن له كتاب الكليات في الطب, ومن ثم قيل أنه كان يفزع إليه فى الطب كما يفزع إليه في الفقه, وفي مجال بحثنا يصنف ابن رشد في الفريق الذي يرى أن العلم في الإسلام هو العلم كل العلم, فقد كتب في الفلسفة والطب مثلما كتب في الفقه والعقيدة وحاول بنجاح ربط الشريعة بعلم الحكمة (الذي يعرف في الغرب بالفلسفة) فكتب كتابه الصغير النفيس (فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال) يقول فيه:ولما كان الشرع قد ندب إلى اعتبار الموجودات والنظر فيها فقد بات ذلك أمرا مطلوبا, إن ابن رشد والحال كذلك يؤكد على أن الشرع دعا إلى النظر في الموجودات والتعرف عليها بالعقل واستشهد في هذا المقام بعدد من آيات الكتاب العزيز مثل قوله تعالى"فاعتبروا يا أولى الألباب وقوله تعالى أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شئ ويرى أن الآية الأولى تحض على وجوب استعمال القياس العقلي, وأن الآية الثانية تحث على النظر في جميع الموجودات وينتهى إلى قاعدة مفادها أن هذا النحو من النظر الذي دعا إليه الشرع وحث عليه هو أتم أنواع النظر بأتم أنواع القياس وهو المسمى برهانا (18).
وبذلك يربط ابن رشد دراسة الحكمة (غير الملحدة طبعا) بالشريعة لمزيد من فهمها.
يضاف إلى الأعمال العلمية الإسلامية التي قام بإنجازها ابن رشد كتابه (كشف مناهج الأدلة) الذي يعد واحدا من أفضل ما كتب عن العقيدة الإسلامية, وفيه تحدث عن قدم العالم, ووجود الله بالأدلة الناصعة عقليا وقرآنيا, وعن الوحدانية وحتمية أن يكون الخالق واحدا كما تناول موضوع المعاد والبعث والحساب والجنة والنار وأن البعث سيكون بالأجساد, والحق أن هذا الكتاب جدير بأن يقرأه كل مسلم وبخاصة أهل العلم من المسلمين.
إن كتاب الله وهو القرآن الكريم يقوم بدور الهادي إلى الإيمان والعلم في نطاق علم خلق الإنسان وعلم الكون والفلك.
ففي موضوع خلق الإنسان يقول الحق سبحانه وتعالى " يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم, ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم من بعد علم شيئا, وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج الحج الآية الخامسة.
ويقول عز وجل ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة, فخلقنا المضغة عظاما, فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين المؤمنون الآيات 12 ـ 14.
هكذا يقوم الكتاب العزيز بهداية المشتغلين بخلق الإنسان من الأطباء إلى تطور الجنين في بطن أمه من المرحلة الأولى من لقاء الأبوين حتى يصير طفلا مكتملا أسباب النماء والحياة, ولقد أفاد كثير من الأطباء من هذا العلم القرآني وكتبوا في ذلك بحوثا نفيسة (19).
ويفتح القرآن الكريم باب خلق الكون ويحسم مواطن الظن والحيرة التي وقع فيها علماء الكون متحديا الماديين والمنكرين بقوله تعالى: "أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي "سورة الأنبياء الآية 30.
وهكذا أعطاهم القرآن البداية الأولى لخلق الكون ثم كانت بعد ذلك المجرات والشموس والكواكب التي تمرح في كون لا يعلم حدوده إلا الله.
ثم كانت بعد ذلك سورة الرحمن التي تعد دروسا تعليمية في إطار من التحدي للمنكرين, واستهلال السورة ينحصر في معجزة القرآن وخلق الإنسان والعلم: "الرحمن, علم القرآن, خلق الإنسان, علمه البيان "ثم يقرر الخالق الأعظم أن الكواكب والشمس محسوبة بحساب الحركة الدقيقة وأن النجوم والأشجار تسجد لذاته العلية في قوله تعالى:" الشمس والقمر بحسبان والنجم والشجر يسجدان, والسماء رفعها ووضع الميزان, ألا تطغوا في الميزان, وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان, والأرض وضعها للأنام, فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام, والحب ذو العصف والريحان "ثم يكون التحدي في قوله تعالى: " فبأي آلاء ربكما تكذبان ".
إن سورة الرحمن درس كبير قدمه خالق الكون إلى الإنس والجن في ثوب يتلفع به المؤمن, ولا يستطيع أن يبعد عنه المنكر.
أما قوله تعالى:" مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان فإنه يغرس الإيمان غرسا عميقا في قلب كل من رأى هذه الصورة, ولقد رآها كاتب هذه السطور في لقاء المحيطين الأطلنطي والهندي غير بعيد عن مدينة الكاب بجنوب أفريقية كما رآها عند مصب نهر النيل في البحر الأبيض المتوسط قبل أن يبنى السد الذي قيد حركة النهر في الانطلاق وتزويد تربة مصر بخصوبة متجددة إن البحث في كون كلام الله معلما لأصحاب النهي أمره يطول ويستحق التفرغ له في كتاب أو أكثر.
غير أنه لا يجمل بنا قبل أن ننتهي من هذا الفصل أن نقرر أن القرآن الكريم يصوب الأخطاء التى يقع فيها ذوو الشهرة من العلماء فى مختلف العلوم, وهنا نضرب مثلا لذلك فى نطاق التاريخ, فقد جاء فى كتاب "فى الشعر الجاهلي" للأستاذ الدكتور طه حسين أن ورود ذكر رحلة سيدنا إبراهيم وولده إسماعيل فى التوراة والقرآن إلى مكة لا ينهض دليلا على أن هذه الرحلة قد حدثت, وقد تسبب هذا الحدث فى فتنة كبيرة فى الأوساط الإسلامية والأدبية فى عقد العشرينات من القرن الماضى.
ولكن القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه قد صوب هذا الخطأ فى قول الله عز وجل: وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم .
يضع للتشكيك فى هذه الحقيقة تصويبا قاطعا لأن القرآن الكريم هو كلام الله أولا وهو كتاب هداية وتوحيد ثانيا, هو كتاب علم وتعليم ثالثا وإنه يوثق الحقائق ويصوب الأخطاء للخلق جميعا سواء أكانوا من العلماء أو الجهلاء على حد سواء.
وأما مكانة العلماء في الإسلام فهي من التكريم والإجلال بمكان, كرمهم الخالق في كتابه العزيز, وكرمهم رسوله في أحاديثه الشريفة, ففي القرآن الكريم يقول الله عز وجل: قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون الزمر الآية 9 إنما يخشى الله من عباده العلماء فاطر 28, وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلى العالمون العنكبوت 43, شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم آل عمران 18, وقل رب زدني علما الكهف 114," يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات المجادلة "11.
وأما تكريم الرسول e لهم وذكر مكانتهم فيتمثل في قوله : "العلماء ورثة الأنبياء" سنن أبو داود ج 3 كتاب العلم.
"علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل"
"إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد, ولكن يقبض العلم بقبض العلماء" صحيح البخاري كتاب العلم, باب كيف يقبض العلم صحيح مسلم كتاب العلم, باب رفع العلم 673,
_________________
إن الذي نهتم له بادئ ذي بدء هو ما كتبه في علوم القرآن ومجملها سبعة كتب هي: التفسير, نظم القرآن, قوارع القرآن, ما أغلق من غريب القرآن, في أن سورة الحمد تنوب عن جميع القرآن, تفسير الفاتحة والحروف المقطعة في أوائل السور.
ومن ناحية علوم الدين ألف الكتب الآتية: كتاب أسماء الله الحسنى وصفاته, الرد على عبدة النجوم, البحث عن التأويلات أو كمال الدين الذى قال عنه أبو بكر الفقيه: ما صنف في الإسلام كتاب أنفع للمسلمين منه, كتاب القرابين والذبائح, كتاب عصمة الأنبياء,كتاب شرائع الأديان.
وكان أبو زيد البلخي يكره العصبية ويقبحها ويتمثل دائما قوله تعالى فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون وكان آخر ما نطق به عند وفاته قول الله عز وجل أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون, ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون .
ولا بأس من التمثل بعالم قرآني آخر فهم العلم في الإسلامي الفهم الصحيح الذي استفتحنا به هذا البحث, إنه أبو الحسن الماوردي 364 ـ 450 الفقيه الشافعي المجتهد الذي كان يلقب بأقضى القضاة وكان عالما ربانيا, ومعلما سياسيا. فأما كتبه الدينية فهي:.
1ـ النكت والعيون وهو التفسير الكبير الذي ضمنه أخبار الصحابة والتابعين والمفسرين من قبله وعرض لما يرجحه منها.
2ـ مختصر علوم القرآن.
3ـ أمثال القرآن.
4ـ الحاوي وهو الشرح الكبير لمختصر المزني تلميذ الإمام الشافعي.
5ـ الإقناع وهو موجز للفقه الشافعي.
6ـ العيون في اللغة.
7ـ أعلام النبوة.
وأما كتبه في السياسة فهى الأحكام السلطانية, وقوانين الوزارة, تسهيل النظر وتعجيل الظفر وموضوعه أخلاق الملك وسياسة الملك, نصيحة الملوك, أدب الدنيا والدين, العيون في اللغة, الأمثال والحكم (17).
والعلماء الذين جمعوا بين العلم الديني وعلم الحكمة وعلوم أخرى من الكثرة في مسيرة العقيدة الإسلامية بمكان: ابن حزم وهو أبو محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي المولود في قرطبة سنة 384 المتوفى في بادية لبلة بالأندلس سنة 456 هـ عمل بالسياسة فولى الوزارة ثم زهد فيها وعشق العلم والمعرفة: العلم الديني والمعرفة المطلقة, وليس من هدفنا التعريف بشخصه تعريفا شاملا لأن ذلك يحتاج إلى مساحة عريضة, ولكنه لم يكد يترك فرعا من فروع العلوم الدينية ولا نوعا من أنواع المعرفة الدنيوية إلا كتب فيه بفهم وعمق وتأصيل وتفصيل فبينما هو يكتب في الفقه كتابه الفريد المحلي" إذ به يكتب في العشق كتابه "طوق الحمامة".
يكاد يجمع مؤرخو الأندلس ومؤلفو كتب الطبقات على أن ابن حزم خلف أربعمائة مجلد تأتي في مقدمتها مؤلفاته في العلوم الإسلامية وفي مقدمة هذا النوع كتابه المحلي في الفقه الذي أجمع العلماء على الإشادة به محتوى ومنهجا ومنهم شيخ الإسلام سلطان العلماء العز بن عبد السلام.
ومن مؤلفاته كتاب الفصل في الملل والنحل, والجامع في صحيح الحديث وكتاب ما انفرد به مالك أو أبو حنيفة أو الشافعي, وكتاب اختلاف الفقهاء الخمسة مالك وأبى حنفية والشافعي وأحمد وداود, وكتاب الإيصال الحافظ لجمل شرائع الإسلام, وكتاب التصفح في الفقه, وكتاب الإملاء في شرح الموطأ, وكتاب الإملاء في قواعد الفقه وكتاب الترشيد في الرد على كتاب الفريد لابن الرواندي في اعتراضه على النبوات وغير ذلك كثير من الكتب الدينية.
وله في الطب رسالة في الطب النبوي, وشرح فصول بقراط, وكتاب شرح كلام جالينوس في الأمراض الحادة, وكتاب في الأدوية المفردة, ومقالة في المحاكمة بين التمر والزبيب, ومقالة النحل 19.
وهكذا جمع بن حزم تأليفا وكتابة وجدالا بين العلم الديني والعلم التطبيقي والفلسفي.
وما دمنا نسبح في الأفق الأندلسي بحديثنا عن العلامة ابن حزم فإن الفطنة تدعونا إلى الإلتقاء بأبي الوليد بن رشد الحفيد 520 ـ 595 الذي عرف بدراساته عن أرسطو أكثر مما عرف بدراساته الإسلامية الأصيلة,ومن هنا حاول بعض العلمانيين, بل بعض الملحدين ضمه إلى صفوفهم واحتسابه واحدا منهم, بينما تعلن الحقيقة أن ابن رشد واحد من فقهاء المسلمين وله الكتاب الفريد "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" في الفقه مثلما أن له كتاب الكليات في الطب, ومن ثم قيل أنه كان يفزع إليه فى الطب كما يفزع إليه في الفقه, وفي مجال بحثنا يصنف ابن رشد في الفريق الذي يرى أن العلم في الإسلام هو العلم كل العلم, فقد كتب في الفلسفة والطب مثلما كتب في الفقه والعقيدة وحاول بنجاح ربط الشريعة بعلم الحكمة (الذي يعرف في الغرب بالفلسفة) فكتب كتابه الصغير النفيس (فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال) يقول فيه:ولما كان الشرع قد ندب إلى اعتبار الموجودات والنظر فيها فقد بات ذلك أمرا مطلوبا, إن ابن رشد والحال كذلك يؤكد على أن الشرع دعا إلى النظر في الموجودات والتعرف عليها بالعقل واستشهد في هذا المقام بعدد من آيات الكتاب العزيز مثل قوله تعالى"فاعتبروا يا أولى الألباب وقوله تعالى أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شئ ويرى أن الآية الأولى تحض على وجوب استعمال القياس العقلي, وأن الآية الثانية تحث على النظر في جميع الموجودات وينتهى إلى قاعدة مفادها أن هذا النحو من النظر الذي دعا إليه الشرع وحث عليه هو أتم أنواع النظر بأتم أنواع القياس وهو المسمى برهانا (18).
وبذلك يربط ابن رشد دراسة الحكمة (غير الملحدة طبعا) بالشريعة لمزيد من فهمها.
يضاف إلى الأعمال العلمية الإسلامية التي قام بإنجازها ابن رشد كتابه (كشف مناهج الأدلة) الذي يعد واحدا من أفضل ما كتب عن العقيدة الإسلامية, وفيه تحدث عن قدم العالم, ووجود الله بالأدلة الناصعة عقليا وقرآنيا, وعن الوحدانية وحتمية أن يكون الخالق واحدا كما تناول موضوع المعاد والبعث والحساب والجنة والنار وأن البعث سيكون بالأجساد, والحق أن هذا الكتاب جدير بأن يقرأه كل مسلم وبخاصة أهل العلم من المسلمين.
إن كتاب الله وهو القرآن الكريم يقوم بدور الهادي إلى الإيمان والعلم في نطاق علم خلق الإنسان وعلم الكون والفلك.
ففي موضوع خلق الإنسان يقول الحق سبحانه وتعالى " يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم, ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم من بعد علم شيئا, وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج الحج الآية الخامسة.
ويقول عز وجل ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة, فخلقنا المضغة عظاما, فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين المؤمنون الآيات 12 ـ 14.
هكذا يقوم الكتاب العزيز بهداية المشتغلين بخلق الإنسان من الأطباء إلى تطور الجنين في بطن أمه من المرحلة الأولى من لقاء الأبوين حتى يصير طفلا مكتملا أسباب النماء والحياة, ولقد أفاد كثير من الأطباء من هذا العلم القرآني وكتبوا في ذلك بحوثا نفيسة (19).
ويفتح القرآن الكريم باب خلق الكون ويحسم مواطن الظن والحيرة التي وقع فيها علماء الكون متحديا الماديين والمنكرين بقوله تعالى: "أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي "سورة الأنبياء الآية 30.
وهكذا أعطاهم القرآن البداية الأولى لخلق الكون ثم كانت بعد ذلك المجرات والشموس والكواكب التي تمرح في كون لا يعلم حدوده إلا الله.
ثم كانت بعد ذلك سورة الرحمن التي تعد دروسا تعليمية في إطار من التحدي للمنكرين, واستهلال السورة ينحصر في معجزة القرآن وخلق الإنسان والعلم: "الرحمن, علم القرآن, خلق الإنسان, علمه البيان "ثم يقرر الخالق الأعظم أن الكواكب والشمس محسوبة بحساب الحركة الدقيقة وأن النجوم والأشجار تسجد لذاته العلية في قوله تعالى:" الشمس والقمر بحسبان والنجم والشجر يسجدان, والسماء رفعها ووضع الميزان, ألا تطغوا في الميزان, وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان, والأرض وضعها للأنام, فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام, والحب ذو العصف والريحان "ثم يكون التحدي في قوله تعالى: " فبأي آلاء ربكما تكذبان ".
إن سورة الرحمن درس كبير قدمه خالق الكون إلى الإنس والجن في ثوب يتلفع به المؤمن, ولا يستطيع أن يبعد عنه المنكر.
أما قوله تعالى:" مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان فإنه يغرس الإيمان غرسا عميقا في قلب كل من رأى هذه الصورة, ولقد رآها كاتب هذه السطور في لقاء المحيطين الأطلنطي والهندي غير بعيد عن مدينة الكاب بجنوب أفريقية كما رآها عند مصب نهر النيل في البحر الأبيض المتوسط قبل أن يبنى السد الذي قيد حركة النهر في الانطلاق وتزويد تربة مصر بخصوبة متجددة إن البحث في كون كلام الله معلما لأصحاب النهي أمره يطول ويستحق التفرغ له في كتاب أو أكثر.
غير أنه لا يجمل بنا قبل أن ننتهي من هذا الفصل أن نقرر أن القرآن الكريم يصوب الأخطاء التى يقع فيها ذوو الشهرة من العلماء فى مختلف العلوم, وهنا نضرب مثلا لذلك فى نطاق التاريخ, فقد جاء فى كتاب "فى الشعر الجاهلي" للأستاذ الدكتور طه حسين أن ورود ذكر رحلة سيدنا إبراهيم وولده إسماعيل فى التوراة والقرآن إلى مكة لا ينهض دليلا على أن هذه الرحلة قد حدثت, وقد تسبب هذا الحدث فى فتنة كبيرة فى الأوساط الإسلامية والأدبية فى عقد العشرينات من القرن الماضى.
ولكن القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه قد صوب هذا الخطأ فى قول الله عز وجل: وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم .
يضع للتشكيك فى هذه الحقيقة تصويبا قاطعا لأن القرآن الكريم هو كلام الله أولا وهو كتاب هداية وتوحيد ثانيا, هو كتاب علم وتعليم ثالثا وإنه يوثق الحقائق ويصوب الأخطاء للخلق جميعا سواء أكانوا من العلماء أو الجهلاء على حد سواء.
وأما مكانة العلماء في الإسلام فهي من التكريم والإجلال بمكان, كرمهم الخالق في كتابه العزيز, وكرمهم رسوله في أحاديثه الشريفة, ففي القرآن الكريم يقول الله عز وجل: قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون الزمر الآية 9 إنما يخشى الله من عباده العلماء فاطر 28, وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلى العالمون العنكبوت 43, شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم آل عمران 18, وقل رب زدني علما الكهف 114," يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات المجادلة "11.
وأما تكريم الرسول e لهم وذكر مكانتهم فيتمثل في قوله : "العلماء ورثة الأنبياء" سنن أبو داود ج 3 كتاب العلم.
"علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل"
"إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد, ولكن يقبض العلم بقبض العلماء" صحيح البخاري كتاب العلم, باب كيف يقبض العلم صحيح مسلم كتاب العلم, باب رفع العلم 673,
_________________