رابعا: حياة الترف والسرف
عاش الأعرابي قبل الفتح الإسلامي مترحلا بين البوادي, من مكان يقيم فيه ثم يرحل عنه, لا يخلف فيه سوى بقايا أثاف كان يرفع قدره عليها, فيصبح بعد رحيله طللا, فإذا مر به بعد ذلك وقف عنده فنثر ذكرياته وحنينه بشعر يفيض رقة وعذوبة, ولم يكن يعرف من العيش, إلا ما كان يتوفر له من (مذيقة) يشربها وبضع تميرات يتبلغ بها, فإذا ما أصاب شيئا من ذلك, صح عزمه واشتد ساعده, وغدا ليث حرب لا يقارع, وقد وصف حياته بقوله:
إذا ما أصبنا كـل يـوم مذيقـة
وخمس تميرات صفار كوانـز
فنحن ملوك الأرض خصبا وغبطة
ونحن ليوث الحرب عند الهزائز
ولما قدم ذلك الأعرابي إلى العراق فاتحا, رأى عجينا مبسوطا, فظنه قماشا, فلما أكله مخبوزا استطابه وقال: هذا والله رقيق العيش, ومن ثم دعي بالرقاق. ثم رأى الكافور فظنه ملحا, فلما ذاقه وجده مرا فطرحه .
ثم أخذت الفتوحات تتوالى وتتسع حتى بلغت منتهاها في العصر الأموي, فانبسطت له أسارير الدنيا وأخذ يعب من أفاويقها . وفي العصر العباسي بلغ السرف غايته عند الخلفاء والأمراء والوزراء وسراة الناس, وتطاولت القصور, واتسعت الدور, تخطر في أبهائها جوار كنس من كل جنس ولون. فيهن الحسان للمتعة وفيهن القيان للغناء, وأصبحت المذيقة والتميرات الخمس الكوانز ورسوم الأثافي الدوارس التي كانت تستوقف ذلك الأعرابي وتثير ذكرياته وعبراته, محل تندر وفي ذلك يقول أبو نواس
قل لمن يبكي على رسم درس
واقفا, ما ضر لو كان جلس?
وقد حفلت قصور الخلفاء بمجالس الطرب, يرتادها الشعراء ويتبارون بوصف ما يجري فيها من لهو وعبث, فينالون بما تجود به قرائحهم وتنطلق به لهواتهم, الجوائز على أقدارهم. وقد دونت أخبار تلك المجالس وما كان يجري فيها من إسراف باللهو والمجون في دواوين الشعراء وكتب الأدب والأخبار.
وتروي لنا أخبار العصر العباسي الأول مشاهد اللهو والعبث في مجالس الخلفاء, وما كان يدور فيها من الشراب, يعبون منه حتى تميل الكئوس بالرءوس. وأصبح الإفصاح عن الخمرة أمرا شائعا لا حرج فيه فهذا أبو نواس يقول:
ألا فاسقني خمرا وقل لي هي الخمر
ولا تسقني سرا إذا أمكن الجهر
وهذا ابن هرمة يقول:
أسأل الله سكرة قبل موتي
وصياح الصبيان يا سكران
ويروي لنا الطبري أن المتوكل شرب ليلة قتله حتى أخذ منه الشراب وجعل يأكل وهو سكران . ولم يكن الوزراء والكتاب أقل ولعا بالشراب من أسيادهم الخلفاء ومنهم طاهر بن الحسين وعمرو بن مسعدة والحسن بن رجاء والحسن بن وهب .
ويروي الإخباريون أن ابن وهب ما كان يصحو من الشراب وكان لا يحتسب من عمره يوما يمر لا يشرب فيه ولا يستمع فيه إلى غناء, وفي ذلك يقول:
إذا كان يومي غير يوم مدامة
ولا يوم قينات, فما هو من عمري
وإن كان معمورا بعود وقهوة
فذلك مسروق لعمري من الدهـر
وكانت الأديرة تشد إليها طلاب الخمرة المعتقة, وقد أعدت لطلابها كل ما ينعش القلب ويجلو الهم ويلذ السمع ويبهج الأبصار. وقد شحذت قرائح الشعراء بأرق الشعر وأحلاه, من ذلك ما قاله جحظة البرمكي في دير العذارى .
ألا هل إلى دير العـذارى ونظـرة
إلى من به قبل الممات سبيل
وهل لي به يوما من الدهر سكرة
تعلل نفسي والمشوق عليـل
غدونا على كأس الصبوح بسحرة
فدارت علينا قهـوة وشمول
نريد انتـصـابا للمـدام بزعمنا
ويرعشنا إدمـانها فنـميـل
سقى الله عيشا لم يكن فيه عيشة
أتم ولم ينكـر علـى عـذول
ولم يكن ارتياد الأديرة مقصورا على الشعراء وغيرهم من طلاب النشوة بل كان يرتادها الخلفاء والوزراء والكبراء, وقد روى أبو الفرج الأصبهاني أن الرشيد كثيرا ما كان ينزل هذا الدير ويشرب فيه . ومثله أحمد بن عبيد الله الخصيبي وزير المقتدر فقد كان مدة وزارته مشغولا بالشراب وقد وكل الأمور إلى نوابه فأمنوا بذلك مصالحهم .
ومن مشاهد اللهو والعبث ومظاهر الترف والسرف ما روي عن ترف الخليفة المقتدر, فقد كان مبذرا مؤثرا للشهوات, وقد وزع جواهر الخلافة ونفائسها على حظاياه. ومن فنون لهوه أنه أراد في يوم أن يشرب على نرجس في بستان قصره, وكان وقت تسميد الزرع, فاستبدل السماد بالمسك, بمقدار ما احتاج إليه البستان من السماد وسمد به, وجلس يشرب يومه وليلته, واصطبح من غده, فلما قام أمر بنهب المسك, فانتهبه الخدم والعاملون في البستان واقتلعوه من أصول النرجس, وخرج منه مال عظيم .
ومن مشاهد الترف والسرف ما كان ينفق في أعراس الخلفاء, ففي عرس الرشيد على زبيدة بنت جعفر بن المنصور, قدم الرشيد ما لم يقدم لامرأة قبلها من الجوهر والحلي والتيجان والأكاليل وقباب الفضة والذهب والطيب والكسوة, وقد بلغت نفقة هذا العرس من مال بيت المال - سوى ما أنفقه الرشيد - خمسون ألف ألف (مليون) درهم. وفي عرس المأمون على بوران بنت الحسن بن سهل وزعت رقاع بأسماء ضياع وقصور وصلات, وجعلت الرقاع في بنادق المسك, ونثرت بين أيدي العروس, فكان الذي يلتقط شيئا يحبس عليه, وقد قدرت نفقة ذلك العرس بأربعين ألف ألف (مليون) درهم, عدا ما أنفقه والد العروس .
ومن مشاهد الترف والسرف ختان أبناء الخلفاء, فقد حفظ التاريخ لنا وصفا مسهبا لاحتفال الخليفة المتوكل بختان ولده المعتز, وقد بلغت نفقاته ستة وثمانين ألف ألف درهم, وقيل إن الناس كانوا يستكثرون ما أنفق في عرس المأمون ثم أتى ما أنفق في ختان ابن المتوكل ما أنسى ذلك .
ومثله ما أنفقه الخليفة الأندلسي عبد الرحمن الناصر في إعذار (ختان) حفدته بقصر الزهراء .
ومن مشاهد الترف والسرف النهم في الطعام وفي النكاح. فالأعرابي الذي كانت ترويه رشفة لبن وتشبعه بضع تميرات, بها كان يشتد ساعده وتقوى عزيمته, قد زهد في مطعمه ومشربه حين أضحى منه الخليفة والأمير والقائد والوزير, وأقبل على المطاعم الشهية, تقدم إليه في أوان من ذهب وفضة, يأكل مما فيها بنهم شديد, فلا يكاد يشبع, وتدار عليه الخمرة في كئوس, تشع من خلالها أنوارها فيصيب منها ما يشاء ولا يكاد يرتوي. ثم يخلو بمن شاء من جوار كنس, فتمتعه بكل فنون الحب وتصبيه وتنال بدلها كل ما تشتهي. وقد يعلو سلطانها على سلطانه, فيجمع بين طيب الطعام وطيب المضجع, وهو ما يسميه العرب بالأطيبين: النكاح والطعام.
وقد أدى الإفراط فيهما إلى اعتلال أمزجة من ولي السلطة من خليفة أو سلطان, وموتهم في سن مبكرة, فقد مات أكثرهم في ميعة الصبا والشباب, وقليل منهم من تجاوز الخمسين من عمره, وكان لاعتلال أمزجتهم أثر في سياسة الدولة. وكيف يرجى ممن كان همه الأطيبان أن يسوس دولة, وقد ضنى جسمه واعتل مزاجه ووهنت أعصابه, فأصبحت كلمة من يرضى نهمه أو يوفره له هي العليا, وضعفت نفسه عن تحمل ما لا يرضيه, فيأخذ بالظنة, ويحكم السيف في الرقاب, وقد أزاح سيف الجلاد ميزان العدل فأصمت الحق, وأضحى قوله مهلكة يطلبها من أراد الاستشهاد .
ولم تقتصر مجالس الخلفاء ومن سار سيرتهم من السلاطين على مشاهد الترف والسرف بل كانت تحفل باللهو والعبث, فكان الندماء يقومون بضروب اللهو الماجن, وربما تحلل الحضور من أبهة الملك لمزيد من العبث. وقد تأسى الوزراء والكبراء بسيرتهم ومنهم من كانت تجري في مجالسهم مشاهد فيها نوع طريف من اللهو, من ذلك ما رواه ابن خلكان وغيره عن الوزير المهلبي, وزير معز الدولة البويهي سلطان بغداد .
فقد روى إنه كان من ندمائه قضاة وفقهاء, منهم القاضي علي بن محمد التنوخي والقاضي أبو بكر بن قريعة والقاضي ابن معروف وآخرون, فكان يجتمعون عنده في الأسبوع ليلتين على أطراح الحشمة والتبسط في القصف الخلاعة, فإذا أصبحوا عادوا كعادتهم إلى التوقر والحشمة .
النهاية
ارجو الإستفادة والإستمتاع في القرآئة
عاش الأعرابي قبل الفتح الإسلامي مترحلا بين البوادي, من مكان يقيم فيه ثم يرحل عنه, لا يخلف فيه سوى بقايا أثاف كان يرفع قدره عليها, فيصبح بعد رحيله طللا, فإذا مر به بعد ذلك وقف عنده فنثر ذكرياته وحنينه بشعر يفيض رقة وعذوبة, ولم يكن يعرف من العيش, إلا ما كان يتوفر له من (مذيقة) يشربها وبضع تميرات يتبلغ بها, فإذا ما أصاب شيئا من ذلك, صح عزمه واشتد ساعده, وغدا ليث حرب لا يقارع, وقد وصف حياته بقوله:
إذا ما أصبنا كـل يـوم مذيقـة
وخمس تميرات صفار كوانـز
فنحن ملوك الأرض خصبا وغبطة
ونحن ليوث الحرب عند الهزائز
ولما قدم ذلك الأعرابي إلى العراق فاتحا, رأى عجينا مبسوطا, فظنه قماشا, فلما أكله مخبوزا استطابه وقال: هذا والله رقيق العيش, ومن ثم دعي بالرقاق. ثم رأى الكافور فظنه ملحا, فلما ذاقه وجده مرا فطرحه .
ثم أخذت الفتوحات تتوالى وتتسع حتى بلغت منتهاها في العصر الأموي, فانبسطت له أسارير الدنيا وأخذ يعب من أفاويقها . وفي العصر العباسي بلغ السرف غايته عند الخلفاء والأمراء والوزراء وسراة الناس, وتطاولت القصور, واتسعت الدور, تخطر في أبهائها جوار كنس من كل جنس ولون. فيهن الحسان للمتعة وفيهن القيان للغناء, وأصبحت المذيقة والتميرات الخمس الكوانز ورسوم الأثافي الدوارس التي كانت تستوقف ذلك الأعرابي وتثير ذكرياته وعبراته, محل تندر وفي ذلك يقول أبو نواس
قل لمن يبكي على رسم درس
واقفا, ما ضر لو كان جلس?
وقد حفلت قصور الخلفاء بمجالس الطرب, يرتادها الشعراء ويتبارون بوصف ما يجري فيها من لهو وعبث, فينالون بما تجود به قرائحهم وتنطلق به لهواتهم, الجوائز على أقدارهم. وقد دونت أخبار تلك المجالس وما كان يجري فيها من إسراف باللهو والمجون في دواوين الشعراء وكتب الأدب والأخبار.
وتروي لنا أخبار العصر العباسي الأول مشاهد اللهو والعبث في مجالس الخلفاء, وما كان يدور فيها من الشراب, يعبون منه حتى تميل الكئوس بالرءوس. وأصبح الإفصاح عن الخمرة أمرا شائعا لا حرج فيه فهذا أبو نواس يقول:
ألا فاسقني خمرا وقل لي هي الخمر
ولا تسقني سرا إذا أمكن الجهر
وهذا ابن هرمة يقول:
أسأل الله سكرة قبل موتي
وصياح الصبيان يا سكران
ويروي لنا الطبري أن المتوكل شرب ليلة قتله حتى أخذ منه الشراب وجعل يأكل وهو سكران . ولم يكن الوزراء والكتاب أقل ولعا بالشراب من أسيادهم الخلفاء ومنهم طاهر بن الحسين وعمرو بن مسعدة والحسن بن رجاء والحسن بن وهب .
ويروي الإخباريون أن ابن وهب ما كان يصحو من الشراب وكان لا يحتسب من عمره يوما يمر لا يشرب فيه ولا يستمع فيه إلى غناء, وفي ذلك يقول:
إذا كان يومي غير يوم مدامة
ولا يوم قينات, فما هو من عمري
وإن كان معمورا بعود وقهوة
فذلك مسروق لعمري من الدهـر
وكانت الأديرة تشد إليها طلاب الخمرة المعتقة, وقد أعدت لطلابها كل ما ينعش القلب ويجلو الهم ويلذ السمع ويبهج الأبصار. وقد شحذت قرائح الشعراء بأرق الشعر وأحلاه, من ذلك ما قاله جحظة البرمكي في دير العذارى .
ألا هل إلى دير العـذارى ونظـرة
إلى من به قبل الممات سبيل
وهل لي به يوما من الدهر سكرة
تعلل نفسي والمشوق عليـل
غدونا على كأس الصبوح بسحرة
فدارت علينا قهـوة وشمول
نريد انتـصـابا للمـدام بزعمنا
ويرعشنا إدمـانها فنـميـل
سقى الله عيشا لم يكن فيه عيشة
أتم ولم ينكـر علـى عـذول
ولم يكن ارتياد الأديرة مقصورا على الشعراء وغيرهم من طلاب النشوة بل كان يرتادها الخلفاء والوزراء والكبراء, وقد روى أبو الفرج الأصبهاني أن الرشيد كثيرا ما كان ينزل هذا الدير ويشرب فيه . ومثله أحمد بن عبيد الله الخصيبي وزير المقتدر فقد كان مدة وزارته مشغولا بالشراب وقد وكل الأمور إلى نوابه فأمنوا بذلك مصالحهم .
ومن مشاهد اللهو والعبث ومظاهر الترف والسرف ما روي عن ترف الخليفة المقتدر, فقد كان مبذرا مؤثرا للشهوات, وقد وزع جواهر الخلافة ونفائسها على حظاياه. ومن فنون لهوه أنه أراد في يوم أن يشرب على نرجس في بستان قصره, وكان وقت تسميد الزرع, فاستبدل السماد بالمسك, بمقدار ما احتاج إليه البستان من السماد وسمد به, وجلس يشرب يومه وليلته, واصطبح من غده, فلما قام أمر بنهب المسك, فانتهبه الخدم والعاملون في البستان واقتلعوه من أصول النرجس, وخرج منه مال عظيم .
ومن مشاهد الترف والسرف ما كان ينفق في أعراس الخلفاء, ففي عرس الرشيد على زبيدة بنت جعفر بن المنصور, قدم الرشيد ما لم يقدم لامرأة قبلها من الجوهر والحلي والتيجان والأكاليل وقباب الفضة والذهب والطيب والكسوة, وقد بلغت نفقة هذا العرس من مال بيت المال - سوى ما أنفقه الرشيد - خمسون ألف ألف (مليون) درهم. وفي عرس المأمون على بوران بنت الحسن بن سهل وزعت رقاع بأسماء ضياع وقصور وصلات, وجعلت الرقاع في بنادق المسك, ونثرت بين أيدي العروس, فكان الذي يلتقط شيئا يحبس عليه, وقد قدرت نفقة ذلك العرس بأربعين ألف ألف (مليون) درهم, عدا ما أنفقه والد العروس .
ومن مشاهد الترف والسرف ختان أبناء الخلفاء, فقد حفظ التاريخ لنا وصفا مسهبا لاحتفال الخليفة المتوكل بختان ولده المعتز, وقد بلغت نفقاته ستة وثمانين ألف ألف درهم, وقيل إن الناس كانوا يستكثرون ما أنفق في عرس المأمون ثم أتى ما أنفق في ختان ابن المتوكل ما أنسى ذلك .
ومثله ما أنفقه الخليفة الأندلسي عبد الرحمن الناصر في إعذار (ختان) حفدته بقصر الزهراء .
ومن مشاهد الترف والسرف النهم في الطعام وفي النكاح. فالأعرابي الذي كانت ترويه رشفة لبن وتشبعه بضع تميرات, بها كان يشتد ساعده وتقوى عزيمته, قد زهد في مطعمه ومشربه حين أضحى منه الخليفة والأمير والقائد والوزير, وأقبل على المطاعم الشهية, تقدم إليه في أوان من ذهب وفضة, يأكل مما فيها بنهم شديد, فلا يكاد يشبع, وتدار عليه الخمرة في كئوس, تشع من خلالها أنوارها فيصيب منها ما يشاء ولا يكاد يرتوي. ثم يخلو بمن شاء من جوار كنس, فتمتعه بكل فنون الحب وتصبيه وتنال بدلها كل ما تشتهي. وقد يعلو سلطانها على سلطانه, فيجمع بين طيب الطعام وطيب المضجع, وهو ما يسميه العرب بالأطيبين: النكاح والطعام.
وقد أدى الإفراط فيهما إلى اعتلال أمزجة من ولي السلطة من خليفة أو سلطان, وموتهم في سن مبكرة, فقد مات أكثرهم في ميعة الصبا والشباب, وقليل منهم من تجاوز الخمسين من عمره, وكان لاعتلال أمزجتهم أثر في سياسة الدولة. وكيف يرجى ممن كان همه الأطيبان أن يسوس دولة, وقد ضنى جسمه واعتل مزاجه ووهنت أعصابه, فأصبحت كلمة من يرضى نهمه أو يوفره له هي العليا, وضعفت نفسه عن تحمل ما لا يرضيه, فيأخذ بالظنة, ويحكم السيف في الرقاب, وقد أزاح سيف الجلاد ميزان العدل فأصمت الحق, وأضحى قوله مهلكة يطلبها من أراد الاستشهاد .
ولم تقتصر مجالس الخلفاء ومن سار سيرتهم من السلاطين على مشاهد الترف والسرف بل كانت تحفل باللهو والعبث, فكان الندماء يقومون بضروب اللهو الماجن, وربما تحلل الحضور من أبهة الملك لمزيد من العبث. وقد تأسى الوزراء والكبراء بسيرتهم ومنهم من كانت تجري في مجالسهم مشاهد فيها نوع طريف من اللهو, من ذلك ما رواه ابن خلكان وغيره عن الوزير المهلبي, وزير معز الدولة البويهي سلطان بغداد .
فقد روى إنه كان من ندمائه قضاة وفقهاء, منهم القاضي علي بن محمد التنوخي والقاضي أبو بكر بن قريعة والقاضي ابن معروف وآخرون, فكان يجتمعون عنده في الأسبوع ليلتين على أطراح الحشمة والتبسط في القصف الخلاعة, فإذا أصبحوا عادوا كعادتهم إلى التوقر والحشمة .
النهاية
ارجو الإستفادة والإستمتاع في القرآئة