أولا - تغلب المتغلبين على الخلافة
يعتبر إقدام القادة الأتراك على قتل الخليفة المتوكل على الله في الخامس عشر من شهر شوال سنة 247هـ, بداية العصر العباسي الثاني, وفيه استبد القادة بالسلطة, وأصبح الخليفة طوع إرادتهم وأسير هواهم, وقد عبر عن ذلك شاعر فقال:
خليفـــة فـــي قفــص
بيـن وصيـف وبغـا
يقــول مـــا قــالا لـه
كمــــا تقول الببغا
وقد أصبح مصير الخلافة في أيديهم, فمن شاءوا خلعوه ثم قتلوه, ومن شاءوا ألزموه خلع نفسه وسملوه وصادروا أمواله. وحين خلع الخليفة أحمد المستعين بالله, وهو أول خليفة خلع, لم يلبث أن قتل بعد خلعه.
وقد تنبأ الناس بمصير من تتابع بعده من خلفاء بني العباس, وسار في الناس شعر قيل في ذلك اليوم يقول:
خـــلع الخليفـــة أحـمد
وسيقتل التالي لـه أو يخلع
إيهـا بنـي العباس إن سـبيلكم
في قتل أعبدكم سبيل مهيع
رقعتــم دنيـــاكم فتمـزقت
بكــم الحياة تمزقا لا يرقع
ولما استولى البويهيون على السلطة بعد الأتراك, اتبعوا نهجهم, فكان الأمير البويهي يولي الخلافة من يشاء ويخلع من يشاء وكان الخلع كثيرا ما يتم بالذل والهوان, ويصف لنا الشريف الرضي بقصيدة مؤثرة مشهد خلع الخليفة الطائع في يوم عرف بيوم الدار .
وكان خلع الخليفة يوم ابتهاج عند الجند, ففيه يجري نهب دار الخلافة وفيه يطالب الجند الخليفة الجديد برسم (بيعته). وكان يجري على الخليفة المخلوع نفقة قد لا تكفيه, فيضطر إلى التكفف واستعطاف الناس, كما جرى للخليفة القاهر بالله بعد خلعه ومصادرة أمواله وسمله, فكان يخرج إلى جامع المنصور ويتكفف المصلين ويقول: تصدقوا علي فأنا من قد عرفتم .
وقد تحقق ما قيل في خلفاء بني العباس من خلع وسمل وقتل. فقد توالى على الخلافة منذ خلافة المنتصر بالله سنة 248هـ إلى خلافة المستظهر بالله سنة 487هـ, أي خلال 239 سنة, سبعة عشر خليفة, منهم أربعة قتلوا وهم: المستعين بالله والمعتز بالله والمهتدي بالله والمقتدر بالله, ومنهم ثلاثة خلعوا وسملوا وهم: القاهر بالله والمتقي لله والمستكفي بالله, ومنهم اثنان أجبرا على خلع نفسيهما وهم: المطيع والطائع, وهناك خليفتان قيل في بعض الروايات أنهما قتلا بالسم وهما: المعتمد على الله والمعتضد بالله, فيكون مجموع من قتل وخلع ومات بالسم عشر خلفاء